أما بالنسبة لقصة الجساسة والتي أتى ذكرها في الحديث، فإنها دابة كثيرة الشعر، ومن كثرة الشعر التي عليها لا يعرف مقدمتها من مؤخرتها، ومهمتها مراقبة الدجال لحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى.
ونأخذ من هذا الحديث أن الدجال حي وموجود الآن، بل ومنذ عهد رسول الله r ، كما بيَّنا ذلك، وأنَّه موثق وثاقاً شديدا بالحديد. ومهما تقدم العلم وتطورت التقنية فإنَّ أحداً لن يستطع الوصول إليه فضلاً من أن يطلق سراحه، - وكذلك الحال بالنسبة ليأجوج ومأجوج وسيأتي الحديث عنهما لاحقا إن شاء الله تعالى - لأن له وقتاً مقدراً من قبل علاَّم الغيوب قد كتبه سبحانه فلا يتقدم عنه ساعة ولا يتأخر . وأن خروج الدجال سيسبقه علامات يعرفها هو، منها جفاف بحيرة طبريا ونخل بيسان وغيرها كما جاء في هذا الحديث، وكذلك في حديث- الثلاث سنين شداد والتي تسبق خروج الدجال لعنه الله.
وكما نستفيد من هذا الحديث أن المكان الآمن من الدجال مكة والمدينة فهما محرمتان عليه أن يدخلهما وكذلك بيت المقدس وجبل الطور في فلسطين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وكذلك نستفيد من هذا الحديث أن رؤية الدجال من قبل تميم الداري وهوفلسطيني من فلسطين هووأصحابه كان ذلك سبباً في إسلامه.
نأتي إلى فقرة أخرى من هذه الحلقة، وهي وصف المسيح الدجال كما جاء ذلك من أحاديث الحبيب المصطفىr ، نذكر منها الآتي:
الدجال رجل من بني آدم يهودي ممسوخ الخلقة شيطاني النشأة والنزعة، شيطاني الشكل والصورة، تحيط به الشياطين، حيث جاء من حديث جابر أن النبيr قال: {…ويبعث الله معه الشياطين تكلم الناس …} [7]. ذكره الألباني واستشهد به رحمه الله في قصة المسيح الدجال.
وأما عن شكله وصورته فقد بيَّنها لنا رسول الله r بياناً شافياً كافياً، لا يدع معه شكاً ولا تردداً في التعرف عليه، ففيه علامات تظهر من بعيد، وعلامات تظهر عن قريب.
فإذا نظرت إليه قادماً من بعيد رأيت رجلاً قصيراً ضخم الجثة جداً، آدم – أسمر- أحمر - أدمته صافية قد احمرت وجنته عظيم الرأس كأن رأسه أصلة – أي الأفعى - وقيل هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة – جعد الشعر قطط - شديد الجعودة - كأنه مضروب بالماء والرمل، جفال، جفال - حبك، حبك - كثير ملتف – كأن شعره أغصان شجرة، أفحج) تدانت صدور قدميه وتباعدت عقباها.
فإذا اقتربت منه رأيت شبهاً شيطانياً فشق وجهه الأيسر ممسوح العين والحاجب، وعينه اليمنى متقدة خضراء كأنَّها كوكب دري، كأنها زجاجة خضراء ، ليست بناتئة ولا حجراء، جاحظة متدلية على وجنته كأنها عنبة طافية.
فهوإذن أعور العينين، اليسرى طائفة لا شعاع فيها واليمنى ناتئة طافية جاحظة متدلية على وجنته.
وكان هذا القدر من وصفه الدقيق كافياً، ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته شاء أن يستبين لنا أمره فلا يخفى طرفة عين فوصف رسول الله r أبلغ وصف وبينه شافياً فقال r : {مكتوب بين عينيه (كفر) تهجَّاها رسول الله r : (ك، ف، ر) يقرؤها كل مؤمن قارئ وغير قارئ ، ولا أظنه يخفى بعد ذلك على أحد.
وإليك أخي في الله الأحاديث الصحيحة والتي من خلالها استندنا إلى ما وصفنا به المسيح الدجال، لعنه الله لعناً كبيرا.
فعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله r قال: {… ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأن عينة عنبة طافية، … فسألت من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال} [8]، متفق عليه. وفي رواية: قال في الدجال: {رجل أحمر جسيم، جعد الرأس، أعور عين اليمنى، أقرب الناس به شبها ابن قطن}.
وجاء في كتاب السنة المجلد الأول عن عبادة أن رسول اللهr قال: {إني قد حذرتكم الدجال حتى قد خشيت أن لا تعقلوا إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج أدعج ممسوح العين ليس بناتئة ولا حجرا فإن ألبس عليكم فأعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا}[9].
وجاء أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك'' ثلاث مرات} 3.
وجاء أيضاً في كتاب قصة الدجال تأليف المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، من قوله عليه الصلاة والسلام: {فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي}،وفي حديث عبادة: {إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، ...إنه أعور، - ممسوح - العين اليسرى -، - عليها ظفرة غليظة -، - خضراء كأنها كوكب دري -، -عينه اليمنى كأنها عنبة طافية -، - ليست بناتئة، ولا حجراء-، - جفال الشعر - …} .
وجاء أيضاً في كتاب قصة الدجال: {ما بعث الله من نبي إلا قد أنذره أمته، لقد أنذره نوح r أمته، والنبيون عليهم الصلاة والسلام من بعده، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور، ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور} [10]. وزاد في رواية: {وأنه بين عينيه مكتوب: كافر؛ يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب}[11]. وجاء أيضاً: عن أنس، قال: قال رسول الله r : {ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر} [12]. وجاء أيضاً في سلسة الأحاديث الصحيحة المجلد الثالث عن النبي r قوله: {الدجال أعور، هجان أزهر - وفي رواية: أقمر، كأن رأسه أصلة، …}. وجاء أيضاً في كتاب قصة المسيح الدجال عن النبي r قوله: {ما خفي عليكم من شأنه؛ فلا يخفين عليكم - إن ربكم ليس بأعور-، ألا ما خفي عليكم من شأنه، - فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور-، - ثلاثا -، - وأشار بيده إلى عينيه -، - وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا -، - إنه يمشي في الأرض، وإن الأرض والسماء لله - إنه شاب قطط، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن -، - قصير، أفحج، دعج -، - هجان -، - وإنه آدم، جعد -، - جفال الشعر}. وجاء أيضاً في صحيح ابن ماجه عن حذيفة قال: قال رسول الله r : {الدجال أعور عين اليسرى جفال الشعر …}.
انظر أخي في الله وفقني الله وإياك إلى مايحب ويرضاه إلى هذه الأحاديث الصحيحة التي نطق بها من لا ينطق عن الهوى عن وصف الدجال والتي وصفه بها مما جعل القارئ لهذه الأحاديث كأنه يراه رأي العين، هذا وإن دل على شيء يدل على الحرص الشديد للحبيب المصطفى r وخوفه من أن يقع أحد من أمته في شباك هذا الدجال الخبيث عدوالله، وكل مؤمن سيعاصر زمن الدجال سَيُعصَم بإذن الله إلا من أبى، قياساً على ما جاء في الحديث: {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى} 4.
سيُعصَم من أخذ أحاديث رسول الله r الواضحة والجلية عن الدجال وعن وصفه مأخذ الجد بل وصدَّقها وآمن بها وعرفها كما يعرف أبناءه، فهذا سيعصمه سبحانه وتعالى بعونه جلَّ وعلا.
وأما من أعرض عن هذه الأحاديث، وعطَّلها وأولها؛ بأن الدجال هوالتلفاز أومثابة الشر والحرب والفتنة إلى غير ذلك مما أسلفنا الذكر عنه، هذا لا محالة ستدركه فتنة الدجال ويقع في شراكه والعياذ بالله، أعاذنا الله وإياكم من فتنته. هذه الفتنة والتي طالما حذَّرَ منها الحبيب المصطفى r أصحابه، بل وعلَّمهم من الأدعية والأذكار والتي بها يتعوذون بالله العظيم من هذا العدواللَّئيم، وجعل ذلك ورداً لهم يدعون ربهم به في كل صلاة كما يقرؤون السورة من القرآن الكريم وذلك من عظم فتنته قاتله الله ولعنه لعناً كبيرا، حيث مما جاء من أحاديثه عليه الصلاة والسلام والتي تحذِّر من فتنته: فعن إبي أمامة > قال، قال r : {يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهوخارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم} [13] وفي رواية: عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله r : {ما أهبط الله تعالى إلى الأرض- منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة- فتنة أعظم من فتنة الدجال، وقد قلت فيه قولا لم يقله أحد قبلي: إنه آدم جعد، ممسوح عين اليسار، على عينه ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويقول: أنا ربكم. فمن قال: ربي الله، فلا فتنة عليه، ومن قال: أنت ربي. فقد افتتن، يلبث فيكم ما شاء الله، ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقا بمحمد > على ملته، إماما مهديا، وحكما عدلا، فيقتل الدجال}[14]. وجاء أيضاً: عن عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله r يقول: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال}[15]. وفي رواية: {ولا تكون حتى تقوم الساعة} ، وقال أيضاً: {وهوخارج فيكم لا محالة، إنه لحق، وأما إنه قريب، فكل ما هوآت قريب، وإنما يخرج لغضبة يغضبها، ولا يخرج حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة} [16].
وجاء أيضاً: عن سالم، عن أبيه قال: قام رسول الله r في الناس فأثنى على الله بما هوأهله، فذكر الدجال فقال: {إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه …}[17].
وجاء أيضاً: عن النواس بن سمعان الكلابي قال: {ذكر رسول الله r الدجال الغداة فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه في طائفة النخل …}[18]. يشير الحديث إلى المبالغة في تحذير رسول الله r أصحابه من الدجال حتى أعتقدوا رضوان الله عليهم أجمعين أنه في طائفة النخل، وهي ناحية من نواحي المدينة.
وأخبر رسول الله r ، أن الناس يهربون منه في الجبال خوفاً من فتنته، فقد جاء عن جابر بن عبد الله قال حدثتني أم شريك أن رسول الله r قال: {ليفرن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال} قالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟! قال: {هم قليل}.
وأما ما جاء من أحاديثه عليه الصلاة والسلام والذي يأمر بها أمته ويرشدهم بالتعوذ من فتنه:
أولاً: الاستعاذة بالله تعالى من شر فتنته، والإكثار منها؛ لا سيما في التشهد الأخير في الصلاة، فقد جاء من حديث أبي هريرة مرفوعا: {إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أ ربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال}[19]. وثبت في (الصحيحين) وغيرهما عن جمع من الصحابة – منهم عائشة < -: أن النبي r كان يستعيذ من فتنته، بل إنه أمر بالاستعاذة من فتنته أمراً عاماً كما جاء في سلسة الأحاديث الصحيحة من حديثه r لأصحابه: {إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، - أي تتركوا أمواتكم بالعراء من غير دفن - لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر. قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال. قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال} 4.
ثانياً: أن يحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، فقد جاء عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللهr : {من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال}[20].
ثالثاً: أن يبتعد عنه، ولا يتعرض له؛ إلا إن كان يعلم من نفسه أنه لن يضره؛ لثقته بربه، ومعرفته بعلاماته التي وصفه بها النبي r بها؛ لما جاء من سنن أبي داود أول كتاب الملاحم بسند صحيح عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله r : {من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهويحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أولما يبعث به من الشبهات}.
رابعاً: أن يسكن مكة والمدينة، فإنهما حرمان آمنان، لقوله عليه الصلاة والسلام: {يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة} [21].
ومثلهما المسجد الأقصى والطور، حيث جاء في كتاب قصة المسيح الدجال وصححه الألباني، قال عليه الصلاة والسلام: {وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه؛ إلا أربع مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، والطور، والمسجد الأقصى}.
واعلم أن هذه البلاد المقدسة إنما جعلها الله عصمة من الدجال لمن سكنها وهومؤمن ملتزم، وإلا مجرد استيطانها وهوفي حياته بعيد عن التأدب بآداب المؤمن فيها فمما لا يجعله في عصمة منه، حيث وكما جاء في حديث الإمام الباهلي وسيأتي سياقه إن شاء الله قريباً في هذه الرسالة، أن الدجال عليه لعنات الله، حين يأتي المدينة النبوية وتمنعه الملائكة من دخولها؛ ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، وصاروا من أتباعه كاليهود! وعلى العكس من ذلك؛ فمن كان فيها من المؤمنين الصادقين في إيمانهم؛ فهم مع كونهم أنهم في عصمة من فتنته؛ فقد يخرج إليه بعضهم متحدياً وينادي في وجهه: هذا هوالدجال الذي كان رسول اللهr يحدثنا حديثه، وسيأتي الحديث عنه في هذا السياق أيضاً إن شاء الله تعالى، فالعبرةإذن بالإيمان والعمل الصالح، فذلك هوالسبب الأكبر في النجاة، وأما السكن في هذه الأماكن المقدسة، فهوسبب ثانوي، فمن لم يأخذ بالسبب الأكبر، لم يفده تمسكه بالسبب الأصغر، وقد أشار إلى هذا النبي r بقوله للذي سأله عن الهجرة: {ويحك! إن شأن الهجرة لشديد فهل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فهل تؤتي صدقتها؟. قال: نعم. قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا}[22].
وما أحسن ما رواه الإمام مالك في (الموطأ 2 / 235) عن يحيى بن سعيد: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة. – يعني الشام -. فكتب إليه سلمان: (إنَّ الأرض المقدسة لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسانَ عملهُ). وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [23].
* نأتي الآن إلى الحديث عن الأحداث والفتن التي تكون بخروج هذا الخبيث اللعين.
انتهينا في الحلقة الماضية والتي تحدثنا فيها عن المهدي إلى حين وصولهم الشام – أي جيش المهدي - بعد رجوعهم من قسطنطينة، عندها يكون قد ظهر الدجال اللعين، فَيُسمَع به عند وصوله، منطقة بين الشام والعراق، كما قال عليه الصلاة والسلام: {إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله اثبتوا..}[24]. وبالطبع ليس هذا المكان، مصدر خروجه، وإنما يسمع المؤمنون بخروجه عند وصوله هذا المكان، وأما مصدر خروجه هي الجزيرة والتي جاء ذكرها في قصة تميم الداري، والله أعلم أين تلك الجزيرة، ويكون سبب خروجه غضبة يغضبها فتنحل عنه تلك الأغلال التي كانت عليه، ولا يكون ذلك إلا بعلم الله تعالى ومشيئته حيث جاء عن حفصة زوج النبيr، إنها قالت لأخيها عبد الله بن عمر: {أما علمت أن رسول الله r قال: {إنما يخرج من غضبة يغضبها} [25].
ثم يكون أول اتجاه له منطقة خراسان كما جاء في الحديث، والشياطين تحيط به تعينه على ضلالته قاصداً منطقة أصبهان حيث السبعون ألفا من يهودها بانتظاره، كلهم ذوسيف محلى وساج، لاعتقاد يعتقدونه عندهم أنه هومخلصهم وأنه هومن سيعيد لهم الأرض المقدسة أرض الميعاد بزعمهم، بعد تحريرها من نجسهم ودنسهم-كما بيَّنا ذلك في رسالتنا والتي أسميناها - نهاية دولة اليهود على ضوء الكتاب والسنة فراجعها).
وجاء في الحديث من قوله r: {إن الدجال يخرج من قبل المشرق من مدينة يقال لها: خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة}[26].
وجاء أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة}[27]. ومعه أيضاً: جنة مزعومة ونار، وكذلك جبلان من طعام وماء ليغوي بهما من لم يعصمهم الله منهم منتهزاً حالة القحط والجفاف والتي عمت الكرة الأرضية بدأت قبل خروجه بثلاث سنوات وبلغت ذروتها في سنة خروجه كما أسلفنا ذكره سابقاً، وأما المؤمنون الصابرون المحتسبون يكون شأنهم في هذه الظروف كشأن الملائكة، حيث التسبيح والتهليل والتكبير يجري فيهم مجرى الطعام والشراب.
استمع معي إلى هذه الأحاديث:
قال عليه الصلاة والسلام يوماً لأصحابه: {أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبي إلا وقد أنذره أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة، وإنه جعد آدم، ممسوح العين اليسرى، وإن معه جنة ونارا، فناره جنة وجنته نار، وإن معه نهر ماء، وجبل خبز، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، لا يسلط على غيرها، وإنه يمطر السماء ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحا حتى يبلغ منها كل منهل، وإنه لا يقرب أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد المقدس والطور، وما شبه عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور - مرتين} 3.
وجاء أيضاً: {وإن من فتنته، أن معه جنة ونارا، - ونهرا وماء -، - وجبل خبز -، - وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار -، فناره جنة، وجنته نار} انظر قصة الدجال للألباني (1/133)،- وسأله المغيرة بن شعبة عنه؟ فقال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء؟ قال: {هوأهون على الله من ذلك}4.
وفي حديث آخر: {معه نهران يجريان، أحدهما- رأي العين- ماء أبيض، والآخر- رأي العين- نار تأجج} 5 .
وجا أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام: {السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت؛ إلا ما شاء الله. قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام} . وفي رواية أخرى عن أسماء بنت يزيد < سألت رسول الله r: {وما يجزي المؤمنين يومئذ؟ قال: يجزيهم ما يجزي أهل السماء , قالت: يا نبي الله! ولقد علمنا أن لا تأكل الملائكة ولا تشرب. قال: ولكنهم يسبحون ويقدسون، وهوطعام المؤمنين يومئذ وشرابهم} [28].
كم الفترة الزمنية التي سيمكثها في الأرض بعد خروجه؟ هذا السؤال سأله الصحابة لحبيبهم المصطفى r، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال: {أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم قال فاقدروا له قدره قال قلنا فما إسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح} [29]. وهنا إشارة إلى أنَّ هناك تغييرات حقيقية ستكون، تبدأ في العالم السفلي - أي في أرضنا هذه - ثم بعد ذلك تتبعها تغييرات في العالم العلوي، كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك، وكل ذلك يبدأ بخروج الدجال لعنه الله، ومن تلكم التغييرات: أن يوماً واحداً من الأربعين يوما والتي سيمكثها الدجال في الأرض بعد خروجه هومقدار سنة على الحقيقة وليس مجازاً أومعنوياً، والشاهد لذلك هوسؤال أصحابه له عليه الصلاة والسلام: أيكفي فيه الخمس صلوات؟ قال عليه الصلاة والسلام فاقدروا له قدره، وهذا نص الحديث والذي رواه أبوداود عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: ذكر رسول الله r الدجال فقال: {إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته}،
قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: {أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم}، فقلنا: يارسول الله، هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: {لا، اقدروا له قدره، …} [30].
أي سيكون ذلك اليوم كسنة على الحقيقة وليس على المجاز، وكذلك اليوم الذي هوكشهر واليوم الذي هوكجمعة، ثم سائر الأيام كما هي، أي يكون مكثه في الأرض حوالي: سنة - شهر - جمعة (أي سبعة أيام) - سبع وثلاثين-، وهي المتبقية من الأربعين يوما، = أربعة عشر شهراً وستة أيام، هذا مكثه في الأرض.
وأما سرعته في الأرض – وهذه إفادة إلى سرعة فتنته أيضاً – وصفها النبي r: {كالغيث - أي المطر - استدبرته الريح} .
وما وسيلة التنقل له هل بواسطة حاملة الطائرات أوالغواصات أوالطائرات أوالسيارات، بالطبع كل ذلك لا يكون لأن ذلك يصبح في وقته في خبر كان، إذن ما وسيلة التنقل له؟ وسيلة التنقل له تكون عجيبة غريبة خبيثة على شاكلته، هي: حمار عجيب جاء وصفه على لسان رسول الله r، حيث قال: {وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا} [31] , ولا يبقى مكان إلا ووطئه هذا اللعين إلا الأماكن التي حماها الله منه (مكة المكرمة – المدينة المنورة – بيت المقدس – جبل الطور بالقدس). قال ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط "وجبل طور سيناء الذي ببيت المقدس 1/424
فما الذي يفعله هذا الخبيث في الأرض؟ استمع إلى هذا الحديث والذي جمع فأوعى: قال عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال} أي فتنة الدجال الخبيث ليس لها نظير من الفتن التي حدثت على وجه الأرض، من فتنة فرعون، إلى فتنة النمرود إلى فتنة أصحاب الأخدود، إلى فتنة اليهود وأمريكا وأسلحة الدمار الشامل، وغير هذا من الفتن والبلاء الذي حدث والذي سيحدث مستقبلاً، كل ذلك لا يعتد إذا ما قورنت بفتنة الدجال والعياذ بالله من فتنته. وقال r: {وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهوخارج فيكم لا محالة فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم}.
فلعظم فتنة هذا اللعين ما بعث الله نبياً إلاَّ وأوحى إليه أن أنذر قومك من هذا اللعين الدجال، علماً أن الله سبحانه وتعالى قدَّر أن يكون خروج الدجال في أمة محمد، ولكن لهول أمره ولعظيم فتنته أن كان وحي الله لجميع الأنبياء والمرسلين أن يحذِّروا قومهم منه، وكان يعطيهم بعض صفاته وليست كلها والتي بينها لها الحبيب المصطفى r، والتي بينها لكم في هذه الرسالة. وقال أيضاً: {وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا وشمالا}، ذكرنا أن أول ما يسمع بخروجه المؤمنون عندما يصل إلى أرض بين الشام والعراق فيعيث فساداً يميناً وشمالاً فلا يدع بيت حجر ولا شجر إلا وقد أصيب من فتنته إلا من عصمه الله منه. وقال أيضاً: {يا عباد الله! أيها الناس! فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول: أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أوغير كاتب}، يحث عليه الصلاة والسلام الناس جميعاً عباد الله المؤمنين أن يثبتوا بالإيمان بالله والعمل الصالح من شر هذا الخبيث، ووصفه عليه الصلاة والسلام بوصف خَلقي وهذا ما بيَّناه في هذه الرسالة وبوصف قولي، حيث أول ما يبدأ بفتنته أنه يدعي النبوة، وبالطبع لا نبي بعد محمد r، لقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [32].
وجاء عن أبي أمامة إنه قال: سمعت رسول الله r يقول: {إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم …}[33]. ثم لا يلبث إلا قليلا، وإذا به يدعي الألوهية، تعالى الله الواحد الأحد الفرد الصمد، حيث هذا الخبيث معه ما يفتتن الناس به، فقال عليه الصلاة والسلام ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وهذا مما قضاه سبحانه وتعالى على نفسه أنه سبحانه لا يري ذاته لأحد من خلقه إلا بعد قيام الساعة والوقوف بين يديه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلأ وَحْياً أَومِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَويُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [34].
وجاء عن أبي ذر قال: يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: {نور أنى أراه؟! } . وفي رواية: {رأيت نورا} [35]. وأما قوله تعالى: ?ثم دنا فتدلى?: إنما هوجبريل #، كما ثبت في (الصحيحين) عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هوفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا). وأعظم متعة يتمتعها أهل الجنة عندما يمن الله تعالى عليهم بالنظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم فتكون تلك أعظم نعمة أنعمها سبحانه على عباده المؤمنين.قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [36].
وقال عليه الصلاة والسلام: {وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف} وفي حديث آخر: {ومعه جبال من خبز، والناس في جهد؛ إلا من تبعه، ومعه نهران- أنا أعلم بهما منه- نهر يقول: الجنة، ونهر يقول: النار، فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهوالنار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهوالجنة}
ولا يعتقد أحدكم أن هذه هي الجنة المعروفة التي وصفها الله تعالى ورسوله أوالنار، فقد جاء فى قصة المسيح الدجال تأليف الألباني ما صح عنه r: {وإن من فتنته؛ أن معه جنة ونارا، - ونهرا وماء -، - وجبل خبز -، - وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار -، فناره جنة، وجنته نار. - وسأله المغيرة بن شعبة عنه؟ فقال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء؟ قال: هوأهون على الله من ذلك}، وفي حديث آخر: {معه نهران يجريان، أحدهما- رأي العين- ماء أبيض، والآخر- رأي العين- نار تأجج -، - فمن أدرك ذلك منكم، فأراد الماء؛ فليشرب من الذي يراه أنه نار -، - وليغمض عينيه -، ثم ليطأطئ رأسه ؛ فإنه يجده ماء - باردا عذبا طيبا -، - فلا تهللوا -}. وفي أخرى: {فمن دخل نهره حط أجره، ووجب وزره، ومن دخل ناره وجب أجره، وحط وزره} فمن ابتلي بناره؛ فليستغث بالله، وليقرأ(عليه) فواتح سورة (الكهف)، فإنها جواركم من فتنته {وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك}. من المعلوم أن من طبيعة خلق الجن أنهم يتمثلون بالصورة التي يريدونها إلا من استثناهم الله تعالى من خلقه، ومن ذلكم نبينا الحبيب محمد r، فإن الشيطان لا يتمثل به، حيث قال عليه الصلاة السلام: {من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي} . وفي رواية أخرى: عن جابر>، عن رسول الله r أنه قال: {من رآني في المنام فقد رآني إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي}، وتابع عليه الصلاة والسلام حديثه بقوله: {وإن من أشد فتنه أن يقول للأعرابي: أرأيت إن أحييت لك إبلك عظيمة ضروعها طويلة أسنمتها تجتر؛ تعلم أني ربك؟ قال: فيقول: نعم. قال: فيتمثل له الشياطين (على صورة إبله، فيتبعه)، قال: ويقول للرجل: أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك وأمك؛ أتعلم أني ربك؟ قال: فيقول: نعم. قال: فيتمثل له الشياطين (على صورهم، فيتبعه} [37].
وإن من فتنته {أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه ثم يزعم أن له ربا غيري فيبعثه الله ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله وأنت عدوالله أنت الدجال والله ما كنت قط أشد بصيرة بك مني اليوم}.
وهذه النفس التي سُلِّطَ عليها فهي لشاب مؤمن قد ملأ بالإيمان قلبه يخرج من المدينة المنورة والتي هي معصومة من الدجال، فيخرج هذا الشاب إليه متحدياً، كما جاء عن أبي سعيد الخدري قال: حدثنا رسول اللهr عن الدجال حديثا طويلا فقال: {فيما حدثنا أنه يأتي المدينة وهومحرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فيخرج إليه رجل - ممتلئ شباباً - وهويومئذ خير الناس أومن خيرهم فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله r حديثه فيقول الدجال أرأيتم إن قتلته ثم أحييته أتشكون في الأمر فيقولون لا فيسلط عليه فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحيا ما كنت فيك أشد بصيرة فيك مني الآن فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه}، قال أبوبكر فالله سلطه في الابتداء على قتله وإحيائه ثم منعه من الثانية.
وفي رواية أخرى: {يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيلقاه المسالح، - مسالح الدجال؛ أي حرسه من جيشه- فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم – يعنون بذلك الدجال قاتلهم الله أنَّى يؤفكون - أن تقتلوا أحدا دونه؟ فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله r فيأمر الدجال به فيشبح فيقول: خذوه وشجوه فيوسع بطنه وظهره ضربا فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم فيستوي قائما ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدجال فيذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس إنما قذفه في النار وإنما ألقي في الجنة هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين} [38].
وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعا) وجاء في رواية أخرى: {فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم – أي إبلهم ومواشيهم - أطول ما كانت درا – أي من اللبن - وأشبعه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم} [39].
وقال أيضاً: {ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب'[40]' النحل}. وقال أيضاً: {يخرج في زمان اختلاف من الناس، وفرقة، وبغض من الناس، وخفة من الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، فتطوى له الأرض طي فروة الكبش} . {وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الضريب الأحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه فتنفي الخبيث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص قيل: فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل}1 .
وفي رواية عن محجن بن الأدرع: أن رسول الله r خطب الناس فقال: {يوم الخلاص، وما يوم الخلاص؟ يوم الخلاص، وما يوم الخلاص؟ يوم خلاص وما يوم الخلاص؟} - ثلاثا-، فقيل له: وما يوم الخلاص؟ قال: {يجيء الدجال فيصعد أحدا، فينظر المدينة، فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد – وهذا من معجزات النبوة ومما يزيد المسلم إيماناً فقد أخبر النبي rأن الدجال آخر الزمان سينظر إلى مسجد رسول الله r، ويقول لأتباعه: (انظروا إلى هذا القصر الأبيض) مع أن مسجد عليه الصلاة والسلام كان في عهده من سعف النخيل والجريد والحصباء، وقد صار اليوم فعلاً أبيض، صدق الحبيب المصطفى r - ثم يأتي المدينة، فيجد بكل نقب منها ملكا مصلتا، فيأتي سبخة الجرف – مكان من نواحي المدينة المنورة -، فيضرب رواقه- أي يعسكر هناك فترة من الوقت-، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه، فذلك يوم الخلاص}[41]. في رواية: {لا يدخلها، - أي المدينة - فإذا كان كذلك؛ رجفت المدينة بأهلها ثلاث رجفات، لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، وأكثر – يعني- من يخرج إليه النساء، وذلك يوم الخلاص، وذلك يوم تنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد، يكون معه سبعون ألفاً من اليهود، على كل رجل منهم ساج وسيف محلّى، فتضرب رقبته بهذا الضرب الذي عند مجتمع السيول}.[42]
فتحول الملائكة وجهه إلى الشام فيتحول إليها وإمامهم رجل صالح - وهوالمهدي وذلك كما أشرنا سابقاً، ما إن يسمع المهدي ومن معه من المؤمنين بخروج الدجال؛ حتى يرجعوا إلى الشام حيث يعلمون علم اليقين أنه لا قبل لأحد بقتال الدجال فضلاً عن قتله، إلا المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فيلجؤون إلى الحصنَيْن الحَصينَيْن بأمر الله تعالى بعد مكة والمدينة وهما بيت المقدس وجبل الطور - فيأتي هذا الخبيث إلى إيليا (القدس) بعد أن صرفت الملائكة وجهه قبل الشام - فيلقى المؤمنون منه شدة شديدة، ويفر الناس من الدجال في الجبال، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح.
فما يكون من شأن المؤمنين بعد نزول عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وما سيحدث لعدوالله الدجال لما يرى عيسى #، وكذلك ما سيكون من أمر السبعين ألفا من يهود أصبهان الذين أتوا مع مخلصهم – زعموا – الدجال إلى غير ذلك.