المبحث الثاني
عقيدة الإمام أبي حنيفة رحمه الله
أ- أقوال الإمام أبي حنيفة رحمه الله في التوحيد:
أولاً: عقيدته في توحيد الله وبيان التوسل الشرعي وإبطال التوسل البدعي:
(1) قال أبو حنيفة رحمه الله: «لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] ... » (1).
(2) قال أبو حنيفة رحمه الله: «يكره أن يقول الداعي أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام» (2).
(3) وقال أبو حنيفة: «لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره ن يقول بمعاقد العز من عرشك (1)، أو بحق خلقك» (2).
ثانيًا: قوله في إثبات الصفات والرد على الجهمية:
(4) وقال: «لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنه والجماعة وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه أحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، حيٌّ قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه» (1).
(5) وقال: «وله يد ووجه ونفس، كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس، فهو له صفات بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال» (2).
(6) وقال: «لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه ولا يقول فيه برأيه شيئًا تبارك الله وتعالى رب العالمين» (3).
(7) ولما سُئل عن النزول الإلهي قال: «ينزل بلا كيف» (4).
(Cool وقال أبو حنيفة: «والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء» (1).
(9) وقال: «وهو يغضب ويرضى ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه» (2).
(10) وقال: «ولا يشبه شيئًا من الأشياء من خلقه ولا يشبه من خلقه لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته» (3).
(11) وقال: «وصفاته بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويسمع لا كسمعنا، ويتكلم لا ككلامنا» (4).
(12) وقال: «لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين» (5).
(13) وقال: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» (1).
(14) وقال: «وصفاته الذاتية والفعلية، أما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته» (2).
(15) وقال: «ولم يزل فاعلاً بفعله والفعل صفة في الأزل والفاعل هو الله تعالى والفعل صفة في الأزل والمفعول مخلوق وفعل الله تعالى غير مخلوق» (3).
(16) وقال: «من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض» (4).
(17) وقال للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبده قال: «إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] قال: هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت غائب عنه» (1).
(18) وقال كذلك: «يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه» (2).
(19) وقال: «إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4]، قال: هو كما تكتب لرجل إني معك وأنت غائب عنه» (3).
(20) وقال: «قد كان متكلمًا ولم يكن كلم موسى عليه السلام» (4).
(21) وقال: «ومتكلمًا بكلامه والكلام صفة في الأزل» (5).
(22) وقال: «ويتكلم لا ككلامنا» (1).
(23) وقال: «وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقد كان الله تعالى متكلمًا ولم يكن كلم موسى عليه السلام» (2).
(24) وقال: «والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنزل» (3).
(25) وقال: «والقرآن غير مخلوق» (4).
ب- أقوال الإمام أبي حنيفة
في القدر
1 - جاء رجل إلى الإمام أبي حنيفة يجادله في القدر فقال له: «أما علمت أن الناظر في القدر كالناظر في عيني الشمس كلما ازداد نظرًا ازداد تحيرًا» (1).
2 - يقول الإمام أبو حنيفة: «وكان الله تعالى عالمًا في الأزل بالأشياء قبل كونها» (2).
3 - وقال: «يعلم الله تعالى المعدوم في حالة عدمه معدومًا ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده، ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجودًا ويعلم كيف يكون فناؤه» (3).
4 - يقول الإمام أبو حنيفة: «وقدره في اللوح المحفوظ» (4).
5 - وقال: «ونقر بأن الله تعالى أمر بالقلم أن يكتب فقال القلم، ماذا أكتب يا رب؟ فقال الله تعالى: اكتب ما هوكائن إلى يوم القيامة لقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 52 - 53]» (1).
6 - وقال الإمام أبو حنيفة: «ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته» (2).
7 - ويقول الإمام أبو حنيفة: «خلق الله الأشياء لا من شيء» (3).
8 - وقال: «وكان الله تعالى خالقًا قبل أن يخلق» (4).
9 - وقال: «نقر بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق، فلما كان الفاعل مخلوقًا فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة» (5).
10 - وقال: «جميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره» (6).
11 - قال الإمام أبو حنيفة: «وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خلقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، والطاعات كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضاه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره، والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره» (7).
12 - وقال: «خلق الله تعالى الخلق سليمًا من الكفر والإيمان (Cool ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه، وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى ونصرته له» (9).
13 - وقال: «وأخرج ذرية آدم من صلبه على صور الذر، فجعلهم عقلاء فخاطبهم وأمرهم بالإيمان ونهاهم عن الكفر، فأقروا له بالربوبية فكان ذلك منها إيمانًا فهم يولدون على تلك الفطرة، ومن كفر بعد ذلك فقد بدّل وغيّر، ومن آمن وصدق فقد ثبت عليه وداوم» (1).
14 - وقال: «وهو الذي قدر الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، وكتبه في اللوح المحفوظ» (2).
15 - وقال: «لم يجبر أحدًا من خلقه على الكفر ولا على الإيمان، ولكن خلقهم أشخاصًا والإيمان والكفر فعل العباد، ويعلم تعالى من يكفر في حال كفره كافرًا، فإذا آمن بعد ذلك فإذا علمه مؤمنًا أحبه من غير أن يتغير علمه» (3).
ج- أقوال الإمام أبي حنيفة
في الإيمان
1 - قال: «والإيمان هو الإقرار والتصديق» (1).
2 - وقال: «الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان والإقرار وحده لا يكون إيمانًا» (2). ونقله الطحاوي عن أبي حنيفة وصاحبيه (3).
3 - وقال أبو حنيفة: «والإيمان لا يزيد ولا ينقص» (4).
قلت: قوله في عدم زيادة الإيمان ونقصانه وقوله في مسمى الإيمان وأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان وأن العمل خارج عن حقيقة الإيمان. قوله هذا هو الفارق بين عقيدة الإمام أبي حنيفة في الإيمان وبين عقيدة سائر أئمة الإسلام مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والبخاري
وغيرهم والحق معهم.
وقول أبي حنيفة مجانب للصواب وهو مأجور في الحالين، وقد ذكر ابن عبد البر وابن أبي العزّ ما يشعر أن أبا حنيفة رجع عن قوله والله أعلم (1).
د- قول الإمام أبي حنيفة
في الصحابة
1 - قال الإمام أبو حنيفة: «ولا نذكر أحدًا من صحابة رسول الله إلا بخير» (1).
2 - وقال: «ولا نتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا نوالي أحدًا دون أحد» (2).
3 - ويقول: «مقام أحدهم مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ساعة واحدة خير من عمل أحدنا جميع عمره وإن طال» (3).
4 - وقال: «ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين» (4).
5 - وقال: «أفضل الناس بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم نكف عن جميع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلا بذكر جميل» (5).
هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين
1 - قال الإمام أبو حنيفة: «أصحاب الأهواء في البصرة كثير، ودخلتها عشرين مرة ونيفًا وربما أقمت بها سنة أو أكثر أو أقل ظانًّا أن علم الكلام أجل العلوم» (1).
2 - وقال: «كنت أنظر في الكلام حتى بلغت مبلغًا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان فجاءتني امرأة فقالت: رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها؟.
فلم أدر ما أقول فأمرتها أن تسأل حمادًا ثم ترجع فتخبرني فسألت حمادًا فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلّت للأزواج، فرجعت فأخبرتني فقلت: لا حاجة لي في الكلام وأخذت نعلي فجلست إلى حماد» (2).
3 - وقال: «لعن الله عمرو بن عبيد فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا ينفعهم فيه الكلام» (3).
وسأله رجل وقال: «ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام، فقال: (مقالات الفلاسفة عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة)» (1).
4 - قال حماد ابن أبي حنيفة: «دخل عليّ أبي - رحمه الله - يومًا وعندي جماعة من أصحاب الكلام ونحن نتناظر في باب، قد علت أصواتنا فلما سمعت حسَّه في الدار خرجت إليه فقال لي يا حماد من عندك؟ قلت؛ فلان وفلان وفلان، سميت من كان عندي، قال: وفيم أنتم؟. قلت: في باب كذا وكذا، فقال لي: يا حماد دع الكلام.
قال: ولم أعهد أبي صاحب تخليط ولا ممن يأمر بالشيء ثم ينهي عنه. فقلت له: يا أبت ألست كنت تأمرني به، قال: بلى يا بني وأنا اليوم أنهاك عنه، قلت: ولم ذاك، فقال: يا بني إن هؤلاء المختلفين في أبواب من الكلام ممن ترى كانوا على قول واحد ودين واحد حتى نزغ الشيطان بينهم فألقى بينهم العداوة والاختلاف فتباينوا ... » (2)
5 - وقال أبو حنيفة لأبي يوسف: «إياك أن تكلم العامة في أصول الدين من الكلام فإنهم قوم يقلدونك فيشتغلون بذلك» (1).
هذه طائفة من أقواله - رحمه الله - وما يعتقده في مسائل أصول الدين وموقفه من الكلام والمتكلمين.
_________