المبحث الثالث
عقيدة الإمام مالك بن أنس
أ- قوله في التوحيد:
1 - أخرج الهروي عن الشافعي قال: سُئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال مالك: «محال أن يظن بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه علَّم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» (1) فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد» (2).
2 - وأخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال: «سألت مالكًا والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا أمروها فجاءت» (3).
3 - وقال ابن عبد البر: «سُئل مالك أيُرى الله يوم القيامة؟ فقال: نعم يقول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22]. وقال لقوم آخرين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]» (4).
وأورد القاضي عياض في ترتيب المدارك (5) عن ابن نافع (6) وأشهب (1) قالا: وأحدهم يزيد على الآخر يا أبا عبد الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ينظرون إلى الله؟ قال: نعم بأعينهم هاتين؛ فقلت له: فإن قومًا يقولون لا ينظر إلى الله، إن ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب قال: كذبوا بل ينظر إلى الله، أما سمعت قول موسى عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]، أفترى موسى سأله ربه محالاً؟ فقال الله: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] أي في الدنيا لأنها دار فناء، ولا ينظر ما يبقى بما يفنى، فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
4- وأخرج أبو نعيم عن جعفر بن عبد الله قال: «كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟.
فما وجد (1) مالك من شيء ما وجد من مسألته. فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج» (2).
5 - وأخرج أبو نعيم عن يحيى بن الربيع قال: «كنت عند مالك بن أنس ودخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟
فقال مالك: زنديق (1) فاقتلوه، فقال: يا أبا عبد الله إنما أحكي كلامًا سمعته، فقال: لم أسمعه من أحد إنما سمعته منك، وعظم هذا القول» (2).
6 - وأخرج ابن عبد البر عن عبد الله بن نافع قال: «كان مالك بن أنس يقول من قال القرآن مخلوق يوجع ضربًا ويحبس حتى يتوب» (1).
7 - وأخرج أبو داود عن عبد الله بن نافع قال: «قال مالك: الله في السماء وعلمه في كل مكان» (2).
ب- قوله في القدر:
1 - أخرج أبو نعيم عن ابن وهب (3) قال: «سمعت مالكًا يقول لرجل: سألتني أمس عن القدر؟ قال: نعم، قال: إن الله تعالى يقول: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].
فلا بد أن يكون ما قال الله تعالى» (4).
2 - وقال القاضي عياض: «سُئل الإمام مالك عن القدرية: مَن هم؟ قال: من قال: ما خلق المعاصي، وسُئل كذلك عن القدرية؟ قال: هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم إن شاءوا أطاعوا وإن شاءوا عصوا» (1).
3 - وأخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبد الجبار قال: «سمعت مالك بن أنس يقول: رأيي فيهم أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا - يعني القدرية -» (2).
4 - وقال ابن عبد البر: «قال مالك: ما رأيت أحدًا من أهل القدر إلا أهل سخافة وطيش وخفة» (3).
5 - وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري قال: (سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري؟ فقرأ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] ... » (4).
- وقال القاضي عياض: «سُئل الإمام مالك عن القدرية: مَن هم؟ قال: من قال: ما خلق المعاصي، وسُئل كذلك عن القدرية؟ قال: هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم إن شاءوا أطاعوا وإن شاءوا عصوا» (1).
3 - وأخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبد الجبار قال: «سمعت مالك بن أنس يقول: رأيي فيهم أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا - يعني القدرية -» (2).
4 - وقال ابن عبد البر: «قال مالك: ما رأيت أحدًا من أهل القدر إلا أهل سخافة وطيش وخفة» (3).
5 - وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري قال: (سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري؟ فقرأ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] ... » (4).
6 - وقال القاضي عياض: «قال مالك: لا تجوز شهادة القدري الذي يدعو (1)، ولا الخارجي والرافضي» (2).
7 - وقال القاضي عياض: «سُئل مالك عن أهل القدر أنكف عن كلامهم؟ قال: نعم إذا كان عارفًا بما هو عليه، وفي رواية أخرى قال: لا يصلي خلفهم ولا يقبل عنهم الحديث وإن وافيتموهم في ثغر فأخرجوهم منه» (3).
جـ- قوله في الإيمان:
1 - أخرج ابن عبد البر عن عبد الرزاق بن همام قال: «سمعت ابن جريج (4) وسفيان الثوري ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص» (5).
2 - وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال: «كان مالك بن أنس يقول: الإيمان قول وعمل» (1).
3 - وأخرج ابن عبد البر عن أشهب بن عبد العزيز قال: «قال مالك: فقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم أمروا بالبيت الحرام فقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس، قال مالك: وإني لأذكر بهذه قول المرجئة: إن الصلاة ليست من الإيمان» (2).
د- قوله في الصحابة:
1 - أخرج أبو نعيم عن عبد الله العنبري (3) قال: «قال مالك بن أنس: من تنقص أحدًا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين،
ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا} [الحشر: 10]. فمن تنقصهم أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له في الفيء حق» (1).
2 - وأخرج أبو نعيم عن رجل من ولد الزبير (2) قال: «كنا عند مالك فذكروا رجلاً يتنقص أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقرأ مالك هذه الآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ - حتى بلغ - يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]. فقال مالك: (من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد أصابته الآية)» (3).
3 - وأورد القاضي عياض عن أشهب بن عبد العزيز قال: «كنا عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلويين وكانوا يقبلون
على مجلسه فناداه: يا أبا عبد الله فأشرف له مالك، ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه، فقال له الطالبي: إني أريد أن أجعلك حجة فيما بيني وبين الله، إذا قدمت عليه فسألني، قلت له: مالك قال لي.
- فقال له: قُل.
- فقال: من خير الناس بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟.
- قال: أبو بكر، قال العلوي: ثم من؟ قال مالك: ثم عمر. قال العلوي: ثم من؟ قال: الخليفة المقتول ظلمًا، عثمان. قال العلوي: والله لا أجالسك أبدًا.
- قال له مالك: فالخيار إليك» (1).
هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين:
1 - أخرج ابن عبد البر عن مصعب بن عبد الله الزبيري (2) قال: «كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه
ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأى جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله عزّ وجل فالسكوت أحب إلي لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل» (1).
2- وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال: «سمعت مالكًا يقول: لو أن رجلاً ركب الكبائر كلها بعد ألا يشرك بالله ثم تخلى من هذه الأهواء والبدع - وذكر كلامًا - دخل الجنة» (2).
3 - وأخرج الهروي عن إسحاق بن عيسى (3) قال: «قال مالك: من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب» (4).
4 - وأخرج الخطيب عن إسحاق بن عيسى قال: «سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين ويقول: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (1).
5 - وأخرج الهروي عن عبد الرحمن بن مهدي قال: «دخلت على مالك وعنده رجل يسأله فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمرو بن عبيد فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام، ولو كان الكلام علمًا لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع» (2).
6 - وأخرج الهروي عن أشهب بن عبد العزيز قال: «سمعت مالكًا يقول: إياكم والبدع، قيل يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان» (3).
7 - وأخرج أبو نعيم عن الشافعي قال: «كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إني على بينة من ربي وديني، وأما أنت فشاكٌّ فاذهب إلى شاكٍّ فخاصمه» (1).
8 - روى ابن عبد البر عن محمد بن أحمد بن خويز منداد المصري المالكي قال في كتاب الإجارات من كتابه الخلاف: «قال مالك: لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتبًا ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ إجارة في ذلك» (2).
فهذه لمحات من موقف الإمام مالك وأقواله في التوحيد والصحابة والإيمان وعلم الكلام وغيره.